بحث عن تاريخ عيد المولد النبوي الشريف.. ورأي المذاهب والعلماء: بين الاستحسان والامتناع

تاريخ المولد النبوي الشريف وبداية الاحتفال به

أولاً: تاريخ الموالد النبوي
ولد النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر (12) من ربيع الأول.

ثانياً: تاريخ بداية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:

  • بدأ الفاطميون بالقرن الرابع الهجري في الاحتفال بالمولد النبوي.
  • كما احتفل به الملك المظفر السني بالمشرق خلال أواخر القرن السادس إلى بداية القرن السابع الهجري (وكما جاء في تحقيقات المؤرخين أنه البداية الفعلية للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وخصص لأجل ذلك كتاب “التنوير في مولد السراج المنير).

بداية الاحتفال في التاريخ بالمولد النبوي

الملك المظفر – المشرق العربي
كان الاحتفال بالمولد النبوي في المشرق العربي للملك المظفر كما ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: “أن الملك المظفر – اسمه مظفر الدين بن زين العابدين – صاحب أربل كان أول من يحتفل بالمولد النبوي، وقد عمل الملك المظفر كتاب التنوير في مولد السراج المنير، كتبه له الشيخ أو الخطاب ابن وجيه وتلقى مكانه ألف دينار من الملك المظفر، وكان المظفر من أهل السنة معلوم بالخير والعدل، فكان شيخاً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً”.

السلطان يوسف بن يعقوب – المغرب العربي
وكذلك كان الأمر بالمغرب العربي في عام 691 هـ، حين أمر السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بعمل المولد النبوي وتعظيمه حتى صار عيداً من الأعياد في بلاد المغرب الأقصى بسبته وفاس.

الرأي في الاحتفال بالمولد النبوي

أولاً: الرأي بأن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة:

  • جاء في قول الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني في كون حفلة المولد “بدعة حسنة” بشرط خلوها من المساوئ والمعاصي المعتادة فيها إذا كان القائمون بها لا يعدونها من القربات الثابتة في الشرع بحيث يكفر تاركها أو يأثم أو يعد مرتكبها فاعلاً فعلاً مكروهاً شرعياً. وأما البدع التي في العادات منها حسن ومنها سيء.
  • وكان الملك المظفر يحتفل بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول بتوزيع ألف دينار وكانت مأدبته للطعام تضم خمسة آلاف رأس غنم شواء، وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى.
  • واعتبر الإمام بن حجر العسقلاني، أن المولد النبوي بدعة حسنة فاشترط تجنب المنكرات والمحارم والمكروهات، وقال أصل عمل الموالد بدعة لم تنقل عن أحد من القرون الثلاثة الأولى وقد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى المحاسن وتجنب المعاصي كانت “بدعة حسنة”.
  • قال السيوطي: “أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عقّ (ذبح عقيقة) بعد النبوة مع ورود أن جده عبد المطلب عق عنه في سابع يوم ولادته وهذا دليل على إظهار النبي صلى الله عليه وسلم الشكر على إيجاد الله إياه رحمة للعالمين، كما كان يصلي نفسه.
  • الإمام ابن عابدين الحنفي رأيه في الاحتفال بالمولد النبوي بأنه “بدعة محمودة”.
  • قال الإمام أبو شامة شيخ النووي: “من أحسن البدع هو الاحتفال بالمولد النبوي بإظهار الزينة ويكون يوم رحمة وسعة للفقراء”.

ثانياً: الرأي المانع من الاحتفال بالمولد النبوي:

  • قال ابن تيمية: إذا فعلها ذو فضل فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهتها وأنكرها قوم كذلك، وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا لفضل ممن فعلوها فليس دونهم في الفضل، فتكون حينئذ قد تنازع فيها أولو الأمر فترد الأمر إلى كتاب الله وسنة رسوله، وكتاب الله وسنة رسوله مع كرهها لا مع من رخص فيها، ثم عن عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء التاركين المنكرين.
  • وقد كان سبب رأي ابن تيمية اعتماده على القاعدة المعروفة “درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة” بما شاهده من الاحتفالات الشيعية بآل البيت، وتجاوز الأمر لما بعد عصر ابن تيمية إلى غيرها من الموالد، فصار الاحتفال بمشايخ الطرق الصوفية في بعض البلدان.
  • من الأقوال المانعة للاحتفال بالمولد النبوي والتي استدلت على أن الصحابة والسلف لم يسعوا لهذا الأمر – كان رد جمهور العلماء هذا لا ينهض دليلاً على النهي، لأن هناك كثير من أعمال الخير لم تعملها الصحابة ولم يعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: جمع المصحف وإنشاء الديوان، وكتابة الكتب وتفريغ العلوم.
  • ومن ناحية أخرى لعلها تكون زلة عالم، والحق يُعرف بالدليل، لا يعرف بالرجال وكثرة المؤيدين.
  • يكره صوم يوم المولد النبوي لإلحاقه بالأعياد، فالأعياد لا صيام فيها.
  • وقد أُخذ من كلام السخاوي في المولد النبوي، قوله: “إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيداً أكبر فأهل الإسلام أولى بتكريم وأجدر”، فكان الرد على مقالته من الفريق الرافض للاحتفال، بقولهم: “إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بغير المسلمين”، لقوله: “من تشبه بقوم فهو منهم” وهذا نهي عن التشبه بهم، وذلك تحقيقاً لنبوءته صلى الله عليه وسلم: “لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم”.

ثالثاً: رأي جمهور العلماء في الاستحسان للاحتفال بشروط شرعية:

  • قال أبو الفضل أحمد بن حجر: “أن النبي نعمة من أعظم النعم لا تقل عن يوم عاشوراء التي أغرق الله فيها فرعون ونجى فيها موسى، فنحن نصوم شكراً لله فيستفاد منه فعل الشكر لله تعالى على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة ورفع نقمة والشكر لله يكون بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة – وأي نعمة عظيمة من نعمة كهذه، فيجب تحري الدقة في تعيين وتحديد هذا اليوم حتى لا ينتقل ليوم آخر في السنة: ولا يفعل أي محرم أو مكروه في الاحتفال.
  • وقد قال الإمام مالك: “ليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا هو يؤخذ من قوله ويترك”.
  • ومن الردود أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سُئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: “ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه”.
  • وقال الله تعالى في ذكر أهمية هذا اليوم: ” لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”، وقد احتفى القرآن بمناسبات عديدة منها ليلة القدر وليلة الإسراء ومولد عيسى بن مريم ومولد يحيى بن زكريا وإغراق فرعون ونجاة موسى.
  • وكذلك تعظيم يوم الجمعة ففيه خُلق آدم – ففي صحيح مسلم: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه أُدخل الجنة وفيه أُخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة” فتعظيم يوم الجمعة من أسبابه أنه في خلق آدم عليه السلام، فالأولى يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أصبحوا بالإجماع السكوتي في استحسان الاحتفال بالمولد، حيث لم ينكره أحد في عصر الملك المظفر صاحب أربل وانقضى عصره دون أن يُنكر وامتدت فترة طويلة حتى حصل الإنكار من بعض العلماء.
  • رأي المالكية من الأعياد، عدم صوم يوم المولد النبوي، لأنه شبيه بالأعياد.
  • في كتاب المواعظ والاعتبار: أن المولد النبوي كان مناسبة يحضرها الأمراء والعلماء والقضاة وكان السلطان يحضر هذه المناسبة بحضور شيخ الإسلام وقضاة المذاهب الأربعة الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، وكان الاحتفال يتضمن قراءة القرآن ثم إطعام الطعام والحلوى.
  • وكان أبو الطيب محمد بن إبراهيم السبتي الفقيه المالكي يمنح لتلاميذه إجازة يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، ويقوم: يا فقيه هذا يوم سرور فاصرف الصبيان.
  • واستدلوا بقصة عتق أبي لهب لبريرة فرحاً بميلاده صلى الله عليه وسلم والتي ظهرت ارهاصات النبوة: “فانكسر أبوان كسرى – وجفت بحيرة ساوة – وانطفأت نار المجوس – وانكفأت الأصنام على وجهها”.
  • ففي قصة عتق ثويبة في صحيح البخاري عن عروة أنه قال: “ثويبة مولاة لأبي لهب كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب رأه بعض أهله بشر حيبة (بشر الحال)؛ قال له ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: “لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة”، وقد ذكر السهيلي أن العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول (عام) في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولد فأعتقها – ذكره الحافظ في فتح الباري.
  • وللإمام جلال الدين السيوطي رسالة أجاز فيها الاحتفال بالمولد بعنوان: “حسن المقصد في عمل المولد” حيث فند آراء المعارضين للاحتفال التي ذكرت أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة لم يساندها علماء واكتفت بأن محدثها هو ملكٌ عادل عالم (الملك المظفر صاحب أربل)، فكان رده على ذلك بأن البدعة في الشرع كما قال الإمام النووي في كتابه “تهذيب الأسماء واللغات”: هي إحداث ما يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلمن وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة، وقال الشيخ عز الدين (الملقب بسلطان العلماء في كتابه “القواعد” أن البدعة مقسمة إلى: واجبة ومحرمة ومندوبة ( تثاب إن فعلته ) ومكروهة ومباحة.
  • أكثر الناس عناية بذلك أهل مكة ثم أهل المدينة ثم أهل مصر في السنين المتقدمة والمتأخرة.
  • قال العلامة ابن الجوزي في تعريفه بالمولد النبوي الشريف عن وجه الشبهة في محاكاة المسلمين لأمة عيسى عليه السلام باتخاذ ليلة مولده عيداً – فيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم هو يوم وفاته (يوم الاثنين) متكافأ بالسرور والعزاء.
  • اعتبر ابن الجوزي بالمولد النبوي أمان وبشرى عاجلة للأمة.

فضل ليلة المولد النبوي عند الشافعية

وفي فضل ليلة المولد النبوي الشريف:

  • أن فضل قيام ليلة القدر (أدناها صلاة العشاء في جماعة وصلاة الصبح في جماعة)، وفضلها ليس لمن أطلع عليها ولكن أحياها وإن لم يطلع عليها.
  • وجاء ترتيب فضل ليلة القدر عند الشافعية بعد ليلة المولد النبوي الشريف، تليها ليلة الإسراء، ثم ليلة عرفة، ثم ليلة الجمعة، ثم ليلة النصف من شعبان.

بواسطة: Israa Mohamed

مقالات ذات صلة

اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *