بر الوالدين.. في حياتهما وبعد مماتهما

مفهوم بر الوالدين

  • في اللغة، البر: تعني الخير والفضل، والصدق والتقوى، وعكس البر: الكفر والفجور والعقوق.
  • وبر الوالدين: تعني الإحسان إلى الوالدين، وطاعتهما، والرفق بهما.
  • ويكون الإحسان إلى الوالدين: بالقول والفعل والقلب والرحمة بهما.
  • ومن ترك البر والإحسان إلى والديه فهو عاق، لأن ذلك يغضبهما، خاصة الأفعال التي تؤذي الوالدين؛ سواء بالقول أو الفعل.

بر الوالدين في القرآن الكريم

  • جعل الله بر الوالدين من أهم الوجبات وأجلها، ولقد قرنها الله تعالى بعبادته سبحانه، كما قرن شكره بشكرهم، فالوالدين بعد الله، لأنهم كانوا سبباً في وجود الوليد (أبنهما)، ولأنهم قدموا له الإحسان والرحمة والعطف عليه عندما كان صغيراً وضعيفاً.
  • قال تعال: (وقضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا*رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا) الإسراء/23-25.
  • ففي هذه الآية الكريمة جاء تأكيد الله لحق الوالدين وبر بهما حتى جعلها واجبة، مع النهي عن التأفف منهما أو من خدمتهما أو الضجر من ذلك أو نهرهما بالزجر أو الصوت العالي أو اليد.
  • كما قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) البقرة/83.
  • (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36.
  • (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الأنعام/151.
  • (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا على وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ على أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/14، وذُكر أن هذه الآية نـزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه.
    حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، قال: حلفت أمّ سعد أن لا تأكل ولا تشرب، حتى يتحوّل سعد عن دينه، قال: فأبى عليها، فلم تزل كذلك حتى غشي عليها، قال: فأتاها بنوها فسقوها، قال: فلما أفاقت دعت الله عليه، فنـزلت هذه الآية (وَوَصَّيْنا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)إلى قوله: فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.
  • (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ العنكبوت/8، فالحالة الوحيد التي لا طاعة لهم فيها، هي الشرك بالله، مع الإحسان إليهما والرحمة بهما.
  • كذلك ذكر الله تعالى إكرام الله ورحمته بعباده لصلاح الوالدين: (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) الكهف/80-81، (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) مريم/12-14، (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) مريم/30-34.

بر الوالدين في السنة النبوية

  • بر الوالدين من أفضل الأعمال، ومن أحبها وأقربها إلى الله والتي ترضيه عنا وهي من أسباب دخول الجنة، كما جاء في الحديث النبوي الشريف: روى الشيخانِ عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلتُ: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بِرُّ الوالدينِ، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله (البخاري: حديث 527 / مسلم: حديث 85).
  • روى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح (يأخذ) مالي، فقال: أنت ومالُكَ لأبيك. (حديث صحيح)
  • روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري: أن رجلًا هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمَن، فقال: هل لك أحدٌ باليمن؟، قال: أبواي، قال: أذِنا لك؟، قال: لا، قال: ارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذِنا لك فجاهد، وإلا فبَرَّهما (صحيح أبي داود للألباني – حديث 2207).
  • قالَ رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام (ثلاث دعواتٍ مستجاباتٌ لا شكّ فيهنّ دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.
  • في حديث مرفوع رواه البخاري وصححه الألباني: (اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين)، كما روى البخاري في حديث صحيح: (كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ).

طُرق البر بالوالدين

لين الكلام للوالدين يدخل الجنة
قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما: (الكَبائرُ تِسْعٌ: الإشراكُ باللهِ، وقَتْلُ نَسَمَةٍ، والفِرارُ مِنَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحْصَنةِ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليتيمِ، وإلحادٌ في المسجدِ، والَّذي يَستَسخِرُ (أي: السخرية)، وبُكاءُ الوالدينِ مِنَ العُقوقِ. قال لي ابن عمر: أتفرق من النَّارَ وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قُلْتُ: إي واللهِ، قال: أَحَيٌّ والِدُكَ؟ قُلْتُ: عندي أُمِّي، قال: فواللهِ لو أَلَنْتَ لها الكلامَ، وأطعمْتَها الطَّعامَ؛ لَتَدْخُلَنَّ الجَنَّةَ ما اجتَنَبْتَ الكبائر) صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (1/35)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة 2898.

إدخال السرور على الوالدين
كما جاء في حديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: (أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: إني جئتُ أبايعك على الهجرةِ، ولقد تركت أبويَّ يبكيانِ! قال: ارجعْ إليهما فأضحكْهما كما أبكيتَهما) (النسائي وصححه الألباني).

الاستغفار للوالدين والتصدق عنهما

  • فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ: أنَّى هذا؟ فيقالُ: باستغفارِ ولدِك لكَ) (ابن ماجه وصححه الألباني).
  • وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فقالَ: إنَّ أمِّي افتُلِتَت نفسُها ولم توصِ، وإنِّي أظنُّها لو تَكَلَّمت لتصدَّقَت، فلَها أجرٌ إن تصدَّقتُ عَنها وليَ أجرٌ؟ قالَ: نعَم) (ابن ماجه وصححه الألباني).

ألا يتعرض لسب الوالدين أو يتسبب في ذلك
قال رسول الله ﷺ: (إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه). قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: (يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه).

إكرام الوالدين من مالك

  • عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: “أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ”. رواه ابن ماجه (2291)
  • وفي رواية أحمد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَى أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، قَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا.
  • قضاء الدين عنهما، وقضاء النذور عنهما؛ مثل: نذر الصيام، أو الحج أو العمرة، وكذلك قضاء الكفارات عنهما، مثل: كفارة اليمين وكفارة القتل الخطأ.

فضل رضا الوالدين

فرج الله واستجابة الدعاء وحلول البركة
عن رسول الله ﷺ قال: (بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها. فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار، كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه نأى بي الشجر يوماً، فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء. ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء.

دعاء بر الوالدين

  • تذكر دائما الدعاء للوالدين والتصدق عليهما في حياتهما وبعد مماتهما، كلما سنحت لك الفرصة وتيسرت لك السبل، وإن لم يتيسر فبزجاجة مياه لمحتاج، فيكون لك ثواب بر الوالدين وثواب الصدقة والأهم رضا الله عنك.
  • فقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن حق الوالدين بعد مماتهما؟ فقال له سائل: “يا رسول الله هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما بعد وفاتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، من بعدهما وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما” [أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، من حديث أبي أسيد الساعدي، برقم 15479].

من أهم الأدعية للوالدين

  • (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) إبراهيم/41.
  • (رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) نوح/28.
  • اللهم إن والدي قد أحسنا إلى فبحق هذا الإحسان ارحمهما واغفر لهما وارزقهما الجنة.
  • اللهم اجعلهما من الذاكرين، الطائعين، المنيبين إليك يا رب العالمين.
  • اللهم اطل في عمرهما مع العافية والصحة في الدين والدنيا والآخرة.
  • اللهم أقر عينهما بما يتمنياه لنا في الدنيا وأرضهم يا أرحم الراحمين.
  • اللهم أجعل أخر كلامهما في الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
  • اللهم إنا نعوذ بك أن تردهما إلى أرذل العمر، اللهم بارك فيهما.
  • اللهم باعد بينهما وبين النار وما يقرب إليها من قول وعمل.
  • اللهم ارزقهما الجنة وما يقربهما إليك من قول وعمل.
  • اللهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا.
  • اللهم اجعلنا ذخرنا لوالدينا في حياتهما وبعد مماتهما.
  • اللهم اجعلهما في ضمانك وغياثك وأمانك وإحسانك.
  • اللهم ارزقهما عيشاً قاراً، ورزقاً دراً، وعملاً باراً.
  • اللهم تقبل توبتهما وأجب دعوتهما واعفو عنهما.
  • اللهم ارزقنا رضاهما ونعوذ بك من عقوقهما.

بواسطة: Israa Mohamed

مقالات ذات صلة

اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *