12 مشهد من قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

القرآن الكريم والسنة النبوية

القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة قصوا علينا الكثير من القصص ومنها قصة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقصة سيدنا محمد هي قصة خاتم الآنبياء والمرسلين، النبي العربي الأمي، هو نبي آخر الزمان الذي بعثه الله سبحانه رحمة للعالمين.

وجدير بالذكر أن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن لقوم واحد ولا لزمن واحد بل كانت لكل الناس تأمرهم بالخير وتمنعهم عن الظلم والفحشاء والفجور، تأمر بالعدل وتنهى عن المنكر والبغي، تمم مكارم الأخلاق وتعلم أتباعها كيف يؤتون الحقوق لأصحابها وكيف يتعاملون فيما بينهم بلا ظلم ولا اعتداء.. لذا عندما نتأمل سير رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد الكثير من الأمور التي تخص كيفية التصرف في حياتنا، فما من وقف قد نجد أنفسنا حائرين فيه إلا ونجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكره في حديث فأرشدنا إلى خير سبيل.. لذا دعونا في هذا المقال نرى العديد من المقتطفات من قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ميلاد أشرف خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم

عام الفيل هو العام الذي شهدت فيه مكة خبر كبير، حيث آتاها الملك الحبشي أبرهة لكي يهدم بيت الله، وماكنت مكة تستطيع أن تصد هذه الجيوش وتوقفها، فقال عبد المطلب للبيت رب يحميه، وقد حمى الله بيته وأرسل على أبرهه وجيشه طيرا أبابيل، ويذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز هذه الحادثة قائلا ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)”.

وفي هذا العام ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وكان نسبه شريفا في قريش وهو يمتد إلى نبي الله إسماعيل عليه السلام ابن النبي إبراهيم عليه السلام الذي دعا أن تكون النبوة في بيته وذريته إلى يوم الدين.

وقد تزوج عبد الله بن عبد المطلب من السيدة آمنة بنت وهب وهي أيضا كانت من أشرف الأنساب في مكة المكرمة، ولكن عبد الله بن عبد المطلب توفي أثناء حملها، فولد رسول الله يتيم الأب فقام جده عبد المطلب بكفالته ورعايته حتى وصل إلى الثامنة من العمر.

كانت السيدة آمنة بنت وهب تتحدث عن حملها بمحمد وتقول أنها لم تكن تشعر بألم الحمل مثل باقي النساء، وقد رأت في منامها أنها يخرج منها نورا وجاءها هاتف يقول لها أن تسميه محمد، فلما قصت على عبد المطلب القصة شعر بأن محمد سوف يكون له شأن عظيم، وعندما ولد النبي محمد ولد في وضع السجود فأخذه أبو طالب إلى الكعبة وحصنه وعوذه بدعاء آتى للسيدة آمنة في منامها وسماه محمد وهو اسم لم يسميه أحد من قبل.

ثم جاء وقت رضاعة محمد فأرضعته أمه شهور وكانت من عادة كبراء مكة أن يأتوا بالمرضعات لأطفالهم، ولكن المرضعات كانت تأبى أن تأتي لدار عبد المطلب لأن من عادات قريش أيضا التشاؤم من الطفل الذي يموت أبوه، لكن كان هناك مرضعة تسمى حليمة السعدية يعيش قومها في قحط وفقر فلما أتت إلى مكة ذهب إلى بيت عبد المطلب وطلبت محمد، وأخذت الرضيع معها إلى بني سعد، فكان الخير معه وأصاب القوم خير ورخاء لم يجدوا مثله من قبل.

بعد عامين من رضاع محمد جاءت حليمة السعدية إلى السيدة آمنة بنت وهب ومعها طفلها الذي أكسبته الصحراء قوة وصحة واستأذنت منها أن يظل معها في الصحراء حتى يبعد عن مكة وعن ما بها من أمراض.

حادثة شق الصدر

ذكرت في السيرة النبوية الشريفة حادثة شق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أخرج جبريل من صدره علقة سوداء، فأخرج من قلبه السوء لذا كان قلبه رحيما بالناس صلى الله عليه وسلم، وجاءت في السيرة النبوية هذه الحادثة كما يلي :- عن أنس رضي الله عنه: “أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الْسَلاَمُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ -يَعْنِي ظِئْرَهُ- فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ” رواه مسلم.

كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم

عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر السادسة كان مع السيدة آمنة والدته في منطقة الأبواء، وهي واحدة من المناطق التي تقع بين كل من مكة والمدينة حيث يوجد أخوالها من بني عدي من بني النجار وفي الطريق توفيت السيدة آمنة بنت وهب، فيصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيم الأب والأم، ويذهب في كفالة جده عبد المطلب الذي كان يحبه كثيرا لكنه يفقد جده أيضا عندما وصل إلى الثامنة من عمره، وبعدها ذهب رسول الله إلى كنف عمه أبي طالب الذي أحبه ورعاه وحماه إلى آخر يوم في عمره.

كان أبي طالب يحب ابن أخيه حبا شديدا وكان يصطحبه معه في التجارة وفي الرحلات التجارية خارج مكة ويذكر أنه في واحدة من هذه الرحلات رأى راهب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورأى فيه علامات النبوة وأخبر عمه أن محمد سوف يكون له شأن عظيم.

ونلاحظ أيضا في قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يتاجر فقط فلقد عمل في رعاية الأغنام، حيث يصحب أغنام أهل مكة لأمانته ويرعاها، ولو توقفنا عند هذه اللحظة سوف نجد أن أنبياء الله جميعهم عملوا في هذه المهم البسيطة، حيث أراد الله أن يضرب بذلك مثل إلى المؤمنين بأن العمل في كل أشكاله مقدس وهام ولا يوجد عمل أشرف من الآخر، كما أن الرعي في الصحراء كان يمنح الأنبياء وقت للتأمل والتفكر في وجود الله والبحث عنه ومناداته، وهذا ما يخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حيث يقول “ما بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا رَعَى الغَنَمَ، فقالَ أصْحابُهُ: وأَنْتَ؟ فقالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أرْعاها علَى قَرارِيطَ -جزء من الدينار والدرهم- لأهْلِ مَكَّةَ”.

عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتجارة

كانت السيدة خديجة بنت خويلد واحدة من أسياد مكة وكان لها مالا ونسبا كبيرا، وأرادت أن تستأجر شخص حتى يرعى رحلاتها التجارية، وكان صيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا حيث عرف في قريش باسم الصادق الأمين، وقتها طلبت منه السيدة خديجة أن يكون مشرفا على رحلاتها التجارية وقبل واصطحب معه غلام يدعى ميسرة، وفي طريق إحدى الرحلات التجارية كان نبي الله يجلس يستظل بظل شجرة هنا وقعت عين أحد الرهبان عليه فعلم فيه النبوة وأخبر ميسرة بذلك، فذهب ميسرة إلى السيدة خديجة وأخبرها بما علم من الراهب.

زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم

عندما عاد الرسول من رحلة التجارة بأموال السيدة خديجة عاد لها بمال مضاعف فوق مالها، فلقد رعى تجارتها حق الرعاية وكان أمينا حارسا على مالها، كانت السيدة خديجة تكن في نفسها حبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تريد الزواج به، فتحدثت إلى نفيسة بنت منية برغبتها فكانت وسيطا بينها وبين رسول الله، وتقول نفيسة بنت منية في ذلك “فأرسلتني دسيسًا إلى محمد بعد أن رجع من عيرها من الشام، فقلت: يا محمد، ما يمنعك أن تزوج؟ قال: “ما بيدي ما أتزوج به“، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: “فمن هي“؟ قلت: خديجة، قال: “فكيف لي بذلك“؟ قالت: قلت: عليَّ، قال: فأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه: أن ائت لساعة كذا وكذا، فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، فحضر، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته، فزوجه أحدهم. فقال عمرو بن أسد: هذا الفحل لا يقدع أنفه . وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي يومئذ بنت أربعين سنة، ولدت قبل الفيل بخمس عشرة سنة.

وكانت السيدة خديجة هي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته ولم يتزوج غيرها من النساء في حياتها، فكانت الأقرب إلى قلبه وكانت أكبر أسباب الدعم له في حياتها، ولقد كان دائما يستشيرها في أموره، فكانت الزوجة والصديقة والحبية وأم أولاده فاطمة وزينب وأم كلثوم ورقية وأبي القاسم وعبد الله.

وقد جاء ذكر السيدة خديجة في السيرة النبوية والأحاديث الشريفة بما يبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شغفها حبا وكان دائم الذكر لها حتى بعد أن انتقلت رضي الله عنها إلى الرفيق الأعلى، وقد جاء في الحديث الشريف عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما غِرت على نساء النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) إلا على خديجة واني لم أدركها ( قالت ) : وكان رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) إذا ذبح الشاة فيقول : أرسلوا بها إلى اصدقاء خديجة قالت : أي عائشة فاغضبتُه يوماً فقلت : خديجة!! فقال رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) : إني قد رزقت حبّها، وعن عائشة أيضا “روى مجاهد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها فذكرها يوماً من الايام فادركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزاً فقد أبدلك اللّه خيراً منها فغضب حتّى أهتز مقدَمُ شعره من الغضب ثم قال : لا واللّه ما أبْدلَني اللّه خيراً منها آمنَتْ بي إذْ كَفَر الناسُ وصدَّقتني وكذَّبني الناسُ وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ ورزقني اللّه منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء قالت عائشة فقلت في نفسي : لا أذكرها بسيئة ابداً.

الحجر الأسود وبناء الكعبة

وقبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قرر كبار مكة أن يقوموا بهدم الكعبة وبنائها مرة أخرى بعد أن أصابها السيل، وعندما أتموا البناء لم يبقى سوى مكان الحجر الأسود، دب الخلاف وقتها بين قبائل مكة، وكان السؤال الذي يدور بينهم ما هي القبيلة الأحق برفع الحجر الأسود في مكانه، لم يستطع كبار مكة الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، فقرروا أن يسلموا للحكم الذي سوف يصدره أول رجل سوف يدخل عليهم، وهنا كان دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استشاروه في الأمر قال لهم أن يحضروا ثوب ويضعوا عليه الحجر، ويقوم كل ممثل عن قبيلته برفع طرف من أطراف الثوب حتى كان وقت وضع الحجر في مكانه فقام صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد ذكر الحجر الأسود في كثير من الأحاديث النبوية الشريف ومنها “دَّثَنَا قُتَيْبَةُ: أخبرنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ” وكذلك “عَنْ رَجَاءٍ أَبِي يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ مُسَافِعًا الحَاجِبَ يقول: سَمِعْتُ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ الرُّكْنَ وَالمَقَامَ يَاقُوتَتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الجَنَّةِ، طَمَسَ اللَّهُ نُورَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَطْمِسْ نُورَهُمَا لأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ.

نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبداية الدعوة

كان ذلك في شهر رمضان المبارك حيث اعتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهاب إلى غار حراء للتعبد، وهنا لابد أن نذكر أن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد لصنم قط ولم يكن يقوم بعادات قريش من حيث اتباع الديانات الوثنية أو القيام بالعبادات الخاصة بها حتى الإيمان بأفكارها، لذلك كان غار حراء هو المكان الذي يذهب إليه خير خلق الله ليتفكر في خلق الكون وصاحبه، ليعرف من صاحب هذا الكون البديع ومن سواه ومن خلقه ومن بدل الليل والنهار ومن يحيي ويميت ويؤتي الشمس من المشرق ويذهب بها من المغرب؟ كانت أسئلة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أسئلة غيره من الأنبياء حول الله، وبينما هو في تأمله سمع صوت يقول له اقرأ فرد رسول الله ما أنا بقارئ فردد عليه الصوت الكلمة ثلاث، فخاف رسول الله وارتعد وذهب إلى بيت خديجة خائفا ليحكي لها عن ما حدث له، وتروي السيدة عائشة هذه القصة قائلة “أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ في النَّوْمِ، فَكانَ لا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكانَ يَأْتي حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وهو التَّعَبُّدُ، اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ، ويَتَزَوَّدُ لذلكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إلى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا، حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهو في غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فِيهِ، فَقالَ: اقْرَأْ، فَقالَ له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: اقْرَأْ، فَقُلتُ: ما أنَا بقَارِئٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقالَ: “اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ”.

عندما ذهب النبي إلى السيدة خديجة روى لها ما حدث فتذكرت ما قاله لها خادمها ميسرة حول نبوة محمد وكان لها ابن عم يدين بالمسيحية ويكتب الإنجيل باللغة العبرية فلما حكت له ذلك قال لها “هذا النَّامُوسُ الذي أُنْزِلَ علَى مُوسَى، يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ فَقالَ ورَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا”.

بعد هذه الحادثة لم يأتي الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لفترة من الزمن يقول بعض المفسرين عنها أنها كانت أيام قليلة حتى يشتاق له رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى يكون على قدرة كافية من استيعاب الأمر بعد أن رآه أول مرة، ثم جاء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكلفه بالرسالة تكليفا واضحا وصريحا، وجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلى عليه قرآن ربه قائلا “يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ”.

الدعوة سرا في مكة

كانت السيدة خديجة هي أول من آمن من النساء برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبي بكر الصديق هو أول رجل يؤمن به، فلقد صدقه عندما أخبره بوحي الله عليه واتبعه حتى آخر يوم في عمره، ولم يتردد أبي بكر ثانية واحدة وقد أخبرنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا”مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الإِسْلاَمِ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ (الوقفة كوقفة العاثر، أو الوقفة عند الشيء يكرهه الإنسان) وَتَرَدُّدٌ وَنَظَرٌ، إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ، مَا عَتَّم (أبطأ وأخَّر) حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ مَا تَرَدَّدَ فِيهِ.

ثم تلى إسلام ابي بكر إسلام علي بن أبي طالب و مولى الرسول زيد بن حارثة وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله.. واستمر المسلمون الأوائل يجتمعون ويعبدون ربهم سرا في دار أبي الأرقم وظل ذلك الأمر ثلاث سنوات متتالية ينتشر الإسلام فيها سرا بين الناس حتى أمر الله سبحانه وتعالى نبيه بالجهر بدعوته وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى “وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴿ ٨٧ ﴾ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿ ٨٨ ﴾ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ”.. وكذلك جاء في سورة الشعراء قول الله تعالى ” فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (21) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.

الدعوة جهرا إلى الإسلام

نزل الأمر صريحا ومباشرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة جهرا إلى الإسلام في العام الرابع من الوحي، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا وأخبر قريش بما أنزل عليه، وعن ابن عباس قال: ” صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم الصفا فقال: يا صاحباه، -وهي كلمة تقال لمن أراد أن يجمع الناس لخبر هام وعام – فاجتمعت إليه قريش فقالوا مالك, قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصحبكم أو يمسيكم كنتم تصدقوني ؟ قالوا: نعم أو بلى – وفى رواية قالوا: ما جربنا عليك كذبا – قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد, فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا جمعتنا ؟ قال: فأنزل الله – عز وجل – : ( تبت يدا أبي لهب وتب”.

نزل رسول الله من على جبل الصفا وأكمل دعوته إلى الله سبحانه وتعالى ولم يأبه لاستهزاء قريش به وبأصحابه وأعرض عنهم كما قال الله له ” فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴿ ٩٤ ﴾ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ”.

هنا بدأت حلقة أخرى من دعوة الإسلام، فلقد بدأ الإسلام يدخل إلى كل دار في مكة يؤمن به السادة والعبيد، يبدأ الناس في الابتعاد عن أصنام لا تنفع ولا تضر ينبذون الفحشاء والظلم، يؤمنون بأن الله خلق بني آدم متساويين فلا فضل لأبيض على أسود ولا فرق بين غني وفقير شريف أو ضعيف كل الناس سواسية عند الله تعالى لا يفرق بينهم إلا بتقواهم.

كان الإسلام بمثابة ضربة قاسية لقواعد الكفر والشرك فعلى المستوى الديني كان هناك إله واحد فقط لا يرى بالعين لكنه يرى كل شيء، هو الله رب البيت، ليس له صنم يدل عليه ولا يتم التقرب إليه بالأزلام أو العطايا بل التقرب إليه بالطاعة والخضوع والرحمة والعدل بين الناس.

ثم كانت الضربة على المستوى الاجتماعي أيضا، فها هو الإسلام يعلي من شأن العبيد ويعطيهم حقوقهم ويعترف بإنسانيتهم، ويرع للنساء حقوقهم بعد أن كانت قريش تؤد النساء وهم في المهد خوف من العار، وجاء الإسلام حتى يضع قواعد العدالة بين الناس ويأمر بالإحسان والعدل وصلة الرحم والابتعاد عن الفحشاء والمنكر والبغي ومن يحيد عن ذلك له عذاب كبير يوم القيامة.

فكان رد قريش على ذلك قاسيا ولم يكن سهلا أبدا، عذب المسلمين وكان الضعفاء هم أكثر الناس تعذيبا حيث أقيمت لهم حلقات التعذيب تحت الشمس في الصحراء، ولا يوجد دليل أكبر من الصحابي الجليل بلال بن رباح الذي ذاق عذابا لا مثيل له وكان كلمته التي لم يتنازل عنها أبدا هي ” أحد أحد” ولم يرحم أي شيء بلال من عذاب قريش له سوى بعد أن اشتراه أبو بكر الصديق بماله واشترى غيره من العبيد ثم أطلقهم بعد أن ذاقوا الكثير من عذاب قريش.

ولم يكن التعذيب يشمل العبيد الرجال وحدهم لكن كان المسلمين يعذبون في نسائهم وكانت أم عمار بن ياسر أو شهيدة في الإسلام واحدة من النساء اللاتي لاقين عذابا شديدا على يدي الكفار لكنها لم تنطق كلمة الكفر أبدا وكانت تعذب أمام زوجها وابنها وكانت تحذر ابنها من الكفر لكي يحميها حتى قتلت وكانت أول شهيدة في الإسلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صبرا آل ياسر فإن ميعادكم الجنة.

مقاطعة المسلمين في شعب بني هاشم

استطاع أبو طالب ونفوذ السيدة خديجة أن يحموا رسول الله من الوقوع تحدت أيدي سادة قريش لكن عندما وجدوا أن الأمر يخرج من بين أيديهم وإن الإسلام يدخل كل دار في مكة ويؤمن به السادة والكبار مثلما يؤمن به العبيد، كان لابد لهم من تصعيد عذابهم لكل من يدخل في الإسلام حتى لو كان من أكبر الأسياد في مكة، فقام كل السادة بتوقيع عريضة تمنع البيع أو الشراء من المسلمين وتمنع الزواج منهم أو بهم، تم حصار المسلمين في شعب بني هاشم ثلاث سنوات متتالية يذوقون فيها عذاب الجوع والعطش والفقر، وكانت العريضة مكتوبة على رقعة من الجلد ومعلقة داخل الكعبة حتى جاء عمرو بن زهير بن أمية وعاب على العرب الذين يقومون بتعذيب قومهم وقال لهم أن العار سوف يلحق بهم وهم بتقطيع الرقعة فأخرجها ووجد أن ما كتبته قريش قد أكلته الأرضة إلا كلمة باسمك اللهم.

هجرة المسلمين إلى الحبشة

بعد فترات التعذيب الطويلة التي عاشها المسلمون في عذاب شديد من الكفار امتحن الله نبيه في موقفين من أصعب المواقف التي مر بها صلى الله عليه وسلم، وهي وفاة زوجته السيدة خديجة بنت خويلد ثم تبعها وفاة عمه أبو طالب، وقد جاء في السيرة النبوية الشريفة هذا الحديث الذي يصف وفاة أبي طالب:- عن سعيد بن المسيب، عن أبيه رضي الله عنهما قال: “لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أُميَّة بن المُغِيرَة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمِّ، قُلْ: لا إله إلا الله؛ كلمةً أشهدُ لكَ بها عند الله))؛ فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أُميَّة: “يا أبا طالب، أترغبُ عن مِلَّةِ عبدالمطَّلِب؟”. فلم يَزَل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَعرضها عليه، ويُعيد له تلك المقالة، حتَّى قال أبو طالب آخرَ ما كلَّمهم: “هو على مِلَّةِ عبدالمطَّلِب”، وأَبَى أن يقول: لا إله إلا الله؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَمَا والله لأستغفِرَنَّ لكَ، ما لم أُنْهَ عنكَ)).

وبوفاة السيدة خديجة وأبي طالب انكشف غطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والمسلمين من الحماية والعصبية القبلية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه بالهجرة إلى الحبشة، وفيها ملك لا يظلم عنده أحد أبدا وهو ملك الحبشة النجاشي وكان النجاشي يدين بالمسيحية، ووصل المسلمين إلى الحبشة وبالفعل لم يجدوا هناك سوى الحماية وكرم الضيافة وآمنوا على أنفسهم وأموالهم.

علمت قريش بأمر هجرة المسلمين إلى الحبشة فوجدوا أن الفرصة مواتية لهم لكي يأخذوهم كأسرى من الملك النجاشي، ولم يجدوا شخص لهذه المهمة أفضل من عمرو ابن العاص وبحكم أن ابن العاص كان واحد من أمهر التجار وأكثرهم ذكاءً وكان على صداقة شخصية بملك الحبشة بحكم ذهابه إلى هناك للتجارة، وظن عمرو بن العاص أن مهمته سوف تكون سهلة وأنه سوف يستطيع أن يقبض على المهاجرين إلى الحبشة.

طلب عمرو بن العاص من الملك تسليمه المسلمين بدعوى أنهم قد خرجوا عن أمر قومهم وسبوا دينهم، فجمع الملك المسلمين ليفهم الأمر وطلب منهم أن يختاروا عنهم واحد لكي يفهم منه حقيقة ما حدث، فكان جعفر بن أبي طالب الذي قال له كلاما بليغا أقنع الملك حين سأله عن دينه وعن ما آتي به، وهذا نص ما قاله جعفر بن أبي طالب عندما سأله النجاشي عن الإسلام “أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، عدَا علينا قومنا، فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث”.. هنا افتنع الملك النجاشي بقول جعفر وصمم على أن لا يسلم عمرو ابن العاص أي من المسلمين الذين في حمايته، لكن عمرو بن العاص وجد حيلة مراوغة أخرى فقال للملك أن الإسلام جاء لكي يتهم المسيحية وينفيها، غضب الملك النجاشي مما سمعه وسأل جعفر عن قول الإسلام في المسيح ومريم، فقام جعفر بتلاوة آيات من سورة مريم عليه وهي “يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا * قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا * وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا”.. هنا عرف النجاشي أن الإسلام والمسيحية نوران ينبعان من نفس المشكاة فغضب من محاولة عمرو بن العاص تضليله وأمر برعاية المسلمين الذين في كنفه وجعل الاعتداء على أي منهم اعتداء على الملك شخصيا.

بعض من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم

ملامح السيرة النبوية متعددة وكثيرة والمواقف والأحداث لا تكفي لأن نسردها في عشرات الكتب، لذا دعونا هنا نأخذ بعض الملامح من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وكيف أنه سبحانه وتعالى كان مثالا للرحمة والعدل، وقد قال الله تعالى عن رسول الله في كتابه العزيز “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً”.

الصدق
قبل البعثة وبعد البعثة كان هو الصادق الأمين، وكان من الجميل حقا أن تؤمن قريش بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحتى ما جاء بدعوته ورسالته اتهموه بالكذب وكان هذا أول الأخطاء التي وقعت فيها قريش إذ كيف يكذبون من أسموه هم الصادق ولم يجدوا منه كذبا ولا خيانة للأمانة أبدا، ويقول الله عنه في كتابه “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”.

التسامح والعفو
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متسامحا عفوا في لحظات قوته ولحظات ضعفه فلم ينتقم ولم يظلم وعلم هذا لأصحابه، ومن المواقف التي تدل على تسامح الرسول صلى الله عليه وسلم قوله في رجل أراد أن يقتله وهو نائم “إنَّ هذا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وهو في يَدِهِ صَلْتًا، فَقالَ: مَن يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلتُ: اللَّهُ، -ثَلَاثًا- ولَمْ يُعَاقِبْهُ وجَلَسَ”. ومن المواقف التي تدل أيضا على عفوه ما جاء فيما ذكره أنس -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-: قال: “كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قدْ أثَّرَتْ بهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِن شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أمَرَ له بعَطَاءٍ”

الكرم والعطاء
كذلك جاء في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث والمواقف التي تدل على كرمه صلى الله عليه وسلم وجوده على المسلمين وغير المسلمين، ومن هذه الأحاديث ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال “انَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ بالخَيْرِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ في رَمَضَانَ، حتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ، كانَ أجْوَدَ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ.

التواضع
عندما نتحدث عن نبي مثل محمد فمن المنطقي أن نتحدث بالفخر والكبرياء لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس تواضعا ليس مع أصحابه فقط لكن على الناس الضعفاء منهم والأقوياء الشرفاء منهم والبسطاء فلم يذكر عنه أنه تكبر أو أنه تجبر أن أنه تعالى على مخلوق بل كان صلى الله عليه وسلم متواضعا للذي خلقه ولعباده.

سليم اللسان
كان لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم سليما طاهرا فلم يذكر عنه أبدا أنه ذكر أي من الناس بسوء أو بفاحشة أو أنه أذى أي شخص بالكلام أو اللفظ وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال “لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا، ولَا لَعَّانًا، ولَا سَبَّابًا، كانَ يقولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: ما له تَرِبَ جَبِينُهُ”.

وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في المسلمين خطبة الوداع قائلا في بعضها “أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها. ومات رسول الله صلى الله عليه بعض أن اشتد عليه المرض في بيت السيدة عائشة في العام الحادي عشر من الهجرة النبوية الشريفة.

بواسطة: Asmaa Majeed

مقالات ذات صلة

اضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *