الأهرامات وتراثها الأثري
بمجرد أن نقول كلمة أهرامات فمن المؤكد عزيزي القارئ أن عقلك سوف يجلب لك صورة أهرامات الجيزة، لكن ما الذي تعلمه عن أهرامات السودان؟ لا تتعجب وذلك لأن أهرامات لا تخص الفراعنة وحدهم بل فكرة بناء الهرم لعمل الطقوس الجنائزية يعتبر من أهم السمات الحضارية للعديد من الحضارات القديمة.
بالطبع من الممكن أن نقول أن أهرامات الجيزة تعتبر من أهم الأبنية الضخمة في تاريخ العالم كله، وذلك لأنها اعتمدت في بنائها على نظريات فلكية وهندسية عبقرية، كما أنها كانت لها ملمح ديني صميم في العقائد القديمة، لكن هذا لا يمنع أن هناك العديد من الأبنية الهرمية التي لابد من إلقاء الضوء عليها، ومن أهمها أهرامات السودان، وهذا ما سوف نتكلم عنه في هذا المقال.
أهرامات السودان
تبدأ قصة أهرامات السودان باحتلال الفرعون المصري تحتمس الثالث لأراضي النوبة في 1500 ق.م، وأمره ببناء مدينة مصرية هناك في منطقة كوش واسماها نَـبتة لكي تكون مركزًا لهذا الإقليم التابع للدولة المصرية في تلك المنطقة والتي استمر الحكم الفرعوني لها لمدة خمسة قرون كاملة تركت فيها الحضارة المصرية أثرها هناك من خلال العديد من المعابد المبنية للإله آمون إله الشمس.
استمرت السيطرة الفرعونية على تلك المنطقة حتى عام 1070 ق.م حينما أعلن نائب الفرعون المصري في منطقة كوش استقلاله بالإقليم عن الفرعون المصري وتوليه هو حكم هذا الإقليم ليبدأ حكم جديد وهو حكم ملوك كوش وكانت عاصمة هذه الدولة الجديدة في منطقة كوش بمدينة نَبـتة والتي تبعد حوالي 400 كم عن الخرطوم خاليًا وهي قريبة من مدينة كريمة الحالية.
امتدت سيطرة تلك الدولة على الجزء الجنوبي من حوض النيل إلى الجنوب من مصر الفرعونية في تلك الفترة، من الجدير بالذكر أنه وجدت عدة ممالك نوبية قبل مملكة كوش فالآثار في تلك المنطقة وخصوصًا في مدينة كرمة تدلنا على وجود العديد من الحضارات العريقة والقديمة في تلك المنطقة وهو ما تدلنا عليه الآثار ومخططاتها العظيمة.
استمر ملوك كوش على عادة ملوك الدولة الفرعونية في بناء الأهرامات التي تدل على قوة الدولة ورمزيتها وعلى فكرة الحياة الأبدية وحياة ما بعد الموت للفرعون نفسه وهي من مبادئ ترسيخ الحكم واستمر بناء الأهرام في المملكة الكوشية على غرار الدولة الفرعونية لدرجة أن أهراماتهم كانت قريبة جدًا في التصميم من الأهرامات المصرية.
أهم نماذج أهرامات منطقة كوش
من النماذج الهامة لتلك الأهرام التابعة للملكة الكوشية وتحاكي النموذج الفرعوني أو قريبة منه الأهرامات التالية:-
- أهرامات منطقة نوري.
- اهرامات جبل البركل.
- هرم الكورو.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لما قام الكوشيون ببناء الأهرامات على غرار المعابد الفرعونية ولم يقوموا بطراز خاص بهم، لعل الإجابة تكمن في الاعتقاد الديني نفسه الذي قامت على أساسه بناء الأهرامات، فالأهرامات تُبنى من أجل الملك واستعداده للحياة الآخرة بعد الموت والبعث، فنجد الهرم كله مبني على غرفة مقدسة يُدفن فيها الملك ومعه كل متعلقاته الثمينة وأقرب الناس إليه وخدامه وأدواته الخاصة، فالفكرة من بناء الهرم واحدة ومن أساس ديني وعقدي واحد.
من الجدير بالذكر أن الكوشيين قد تركوا لنا العديد من الآثار حول عاصمتهم المجيدة نبتة فنجد أنهم قد بنوا المعابد والهياكل والنقوش على غرار نظيرتها الفرعونية.
إنهيار دولة كوش
ولأن دوام الحال من المحال فما من دولة تدوم للأبد بل لا بد لها من فترة تبدأ فيها في الظهور، ثم تصل لعزة مجدها وذروته ثم تبدأ في الأفول وهذا حال كل للممالك وحال الإنسان نفسه، وهذا ما حدث مع مملكة كوش.
ففي القرن السادس قبل الميلاد وبعد الغزو الفارسي لمصر الفرعونية انهارت التجارة بين مصر الفرعونية ومدينة نبتة وبالأخص تجارة الذهب وبذلك أنهار الدور التجاري لمدينة نبتة لتظهر مكانها مدينة أخرى تبدأ في الظهور وهى مدينة مروى والتي أصبحت بديلًا لنبتة وأصبحت عاصمة مملكة كوش الجديدة.
وهذا التغير انعكس على العمارة في تلك المنطقة فنجد أن أسلوب عمارة الأهرام قد تغير في مروى كثيرًا حيث لو قمنا بمقارنة الأهرام في مروى ونظيرتها الفرعونية المصرية سنجد أن تلك في مروى كانت تتميز بالآتي:-
- قاعدة الهرم صغيرة جدا مقارنة بقادة الأهرامات في مصر.
- الهرم في مروى أطول عن ذلك الذي في مصر الفرعونية مقارنة بطول الهرم إلى قاعدته والنسبة بينهما.
قام عالم المعادن الفرنسي فريدريك كايو باكتشاف أهرامات مروي في عام 1821م، وهي تحتوي على خمسين هرمًا مدفون بهم أفراد العائلة الملكية ومجموعهم ثلاثة وأربعين ملكًا واحدى عشرة ملكة والعديد من أفراد الأسرة المالكة الذين احتلوا فترة كبيرة بداية من 720 قبل الميلاد إلى 350 قبل الميلاد.
كما هو الحال في المقابر الملكية المصرية فإن لصوص الأهرام يقومون بمحاولة سرقتها وأخذ ما بها من كنوز وهو ما تعكسه لنا قمم تلك الأهرامات التي نراها كركام وهو من أثر التفجير الذي قام به ناهب الكنوز جيوسيبي فيرليني في عام 1834م أثناء عمله مع الجيش المصري الذي كان يحتل السودان.
لكي تعرف مقدار الجمل الفني والغناء الذي كان يعيشه الملوك الكوشيين وغناء تلك المقابر يكفي أن تشاهد معروضات الملكة المروية أمانيشاخيتو في المتحف المصري ببرلين ويرجع تاريخ تلك المعروضات إلى القرن الأول قبل الميلاد.
ومن الجدير بالذكر أن أهرامات السودان والتي يبلغ عددها أكثر من 220 هرمًا مصنفة ضمن قائمة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي، ولكن رغم كل هذا العدد من الآثار واعتراف اليونيسكو بها إلا أنه لم يهتم أي من الحكومات السودانية بتلك الآثار.
بواسطة: Asmaa Majeed
اضف تعليق