الاستغفار
الاستغفار هو طلب المغفرة والعفو من الله تعالى على ما قدمنا في السابق من ذنوب وأخطاء ارتكبناها في حق أنفسنا وفي حق الآخرين، لقد جعل الله الاستغفار واجباً على جميع من يؤمنون به حتى يتحقق مراد الله وصفة من صفاته العليا عز شأنه وهي انه غفّار لمن تاب وآمن ثم اهتدى، في هذا المقال؛ نلقي الضوء على السؤال الهام لماذا نستغفر الله؟ وهل هناك أموراً تجعل الاستغفار سعادةً للإنسان في الدارين الدنيا والآخرة؟ تعالوا معنا في رحلة روحانية مباركة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ونتحدث أكثر عن الاستغفار ورحمة الله تعالى.
لماذا نستغفر الله؟ 5 أمور تجعلنا نتمسك باستغفار الله دائماً
من منا لا يرتكب الذنوب والخطايا في حياته؟ إن الإنسان المؤمن بالله المسلم يعرف تمام العلم أن الإنسان يظل إنساناً يحمل صفات البشرية من لدن آدم أبو البشر وحتى قيام الساعة، فما زال الإنسان يخطئ ويرتكب الذنوب منذ نزول آدم من الجنة إلى الأرض، وكأننا توارثنا الأخطاء التي ارتكبها آدم حيث خلقه الله ضعيفاً مرتكباً للذنوب، إلا أنه فتح أمامه باب التوبة والمغفرة كلما أذنب، وكأننا توارثنا معه هذا الأمر وهو كلما أخطئنا غفر لنا الله برحمته وعفوه وفتح لنا أبواب الخير والمغفرة.
ومع هذه الأمور السابقة جعل الله لنا أمور هامة حول الاستغفار، ولكن قبل أن نتناولها لابد لنا من خاطرة نذكرها، وهي أن الله ليس بينه وبين العبد واسطة، بل إنه يقبله كما هو، ليس عليك عزيزي إلا ان تستغفر الله وتندم على ما فعلت وتصر إصراراً على التغيير وعدم ارتكاب ما قمت به من أخطاء مرة اخرى فهذه شروط التوبة في الإسلام، لكن نرجع إلى سؤالنا الدائم في هذا المقال لماذا نستغفر الله عز وجل؟ النقاط التالية والتي تحمل أمور كلها خير للإنسان تجعل الإجابة واضحة وضوح الشمس فتعالى معنا تعرف أهمية الاستغفار لك في الدنيا والآخرة:
الاستغفار من أعظم أنواع الذكر
يعتبر ذكر الله تعالى جزء من العبادة، بل هي عبادة منفصلة بذاتها وتعتبر من أعظم العبادات التي قد يقدمها العبد لله تعالى وأيسرها لأنها لا تكلفه جهد أو وقت ويمكن القيام بها دون وضوء وفي أي وقت من أوقات النهار والليل.
وذكر الله غير مقيّداً بذكر محدد بل هناك عشرات بل مئات الأذكار التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن من أجملها وأعظمها فائدة للإنسان هو الاستغفار، بصيّغ متعددة كما نتعرف بعد قليل إلا ان أعظم هذه الصيغ هو ما يعرف بسيد الاستغفار وهو هذا الدعاء:
” اللهم أنت ربّي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلا أنت”
الاستغفار فرجة من الضيق ورزقاً واسعاً للعبد
لقد أمرنا الله بالاستغفار وأمرنا أيضاً بكثرته وترديده على الألسنة دائماً لأنه سبباً في الرزق الواسع للعبد، فإذا كنت تعاني من ضيق الرزق في المال والولد فعليك بالاستغفار، وإذا كنت تعاني من الضيق في الدنيا فعليك بكثرة الاستغفار وهذا بنص القرآن العظيم وكذلك السنة النبوية المطهّرة.
فقد قال الله تعالى في حق ذلك” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجاً، ومن كلّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب”
الاستغفار سبباً في محو الذنوب والخطايا
الاستغفار سبباً من أسباب عفو الله علينا ومحو الذنوب والخطايا وهذا بنص القرآن الكريم، فالكثير من آيات القرآن تحدثت عن مغفرة الله لجميع الذنوب بسبب التوبة والاستغفار، ولقد حثنا الله تعالى أن نستغفره في جميع المواطن لكي يغفر الله لنا ومن هذه الآيات:
- وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً.
- وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ
- وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم
- فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً
- كما أمرنا الله تعالى بالاستغفار حتى لو بلغت ذنوبنا عنان السماء، فقد ورد في الحديث القدسي هذا المعنى المباشر، فقد قال الله عز وجل” يا ابن آدم إنّك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذُنوبك عنان السّماء، ثمّ استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثمّ لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرةً”
- وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: يا أيها النّاس توبوا إلى ربّكم، فوالذي نفسي بيده إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّةً.
الاستغفار سبباً في انشراح الصدر والتخلص من الاكتئاب
دائماً ما نتعرض لضغوط حياتية كثيرة، وبسبب هذه الضغوط الحياتية قد نواجه حزناً واكتئاباً وانقباض الصدر لا ينتهي، إلا ان الله جعل الاستغفار سبباً في انشراح صدورنا وراحته، حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار من أجل التخلص من هذه الانقباضة التي قد تسيطر علينا بسبب مانواجهه في الحياة، وكأن الرسول يعلّمنا أن الاستغفار جنة للإنسان على الأرض ودوحة للراحة لكل مرهق متعب من ضغوط الحياة الكثيرة حيث قال صلى الله عليه وسلم في شأن ذلك الأمر: ” إنّه ليغان على قلبي حتّى أستغفر الله مائة مرّة”
الاستغفار سبباً في لين القلب وحسن الأخلاق مع الناس
إذا كنت تريد لين القلب وحسن الخلق فعليك بدوام الاستغفار، فإن استغفار الله الدائم يجعل من الإنسان ليّن القلب سهل التعامل مع الناس رقيق الحاشية كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليه أحد الصحاب وهو حذيفة رضي الله عنه حيث شكى إليه الحدة في لسانه خاصة مع أهل بيته فنصحه بالاستغفار الدائم وهذا هو نص الحديث: ” كان في لساني ذرب على أهلي – أي حدّة – فذكرت ذلك للنّبي – صلّى الله عليه وسلّم – فقال: أين أنت من الاستغفار يا حذيفة”
أهم 3 صيغ للاستغفار
الاستغفار كما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم له العديد من الصيغ وكلها ورد عن النبي في السنة ومن أهم هذه الصيغ:
- الاستغفار ثلاثة: حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام يردد هذه الصيغة: استغفر الله – استغفر الله – استغفر الله خاصة بعد الانتهاء من صلاته وهذا مصداقاً لقول الصحابة عنه والذي جاء في كتاب الصحيح للإمام مسلم ” أنّه كان إذا انصرف من صلاته قال: أستغفر الله ثلاثاً”
- صيغة أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، فقد جاء في سنن أبي داود عن حديث بلال بن يسار عن أبيه وعن جده الذي سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا الحديث ” من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم، وأتوب إليه، غفر له وإن كان فارّاً من الزّحف” وهو من الأحاديث الصحيحة.
- صيغة دعاء سيد الاستغفار وقد جاء في صحيح البخاري حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به دائماً في الصباح والمساء حيث كان يقول” اللهم أنت ربّي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شرّ ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذّنوب إلى أنت، ومن قالها من النّهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنّة”
ما هي الأوقات التي يجب أن نستغفر فيها الله؟
إن الاستغفار حكمه عن معظم العلماء واجب وذلك بنص العديد من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، أما عن الأوقات التي يجب أن يقوم العبد بالاستغفار فيها فهي بعض الأوقات التي يعرف عنها بمواطن الإجابة مثل: وقت السحر وهو الثلث الأخير من الليل، وكذلك بعد دبر كل صلاة كما كان يفعل رسول الله، وكذلك في الصباح والمساء.
وفي العموم يجوز الاستغفار في أي وقت وفي كل مكان فهي أذكار عظيمة الثواب والأجر، لكن هناك شرطاً يجب أن تاخذه في الاعتبار ألا وهو استحضار القلب وأنت تقوم بالدعاء لله والاستغفار له حيث يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام في حق ذلك” إنّ الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه”
حكم الاستغفار للميت
كما نستغفر لأنفسنا، حثنا الله تعالى ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بضرورة الاستغفار للميت، لنه ينفعه في الآخرة ويمحي عنه الذنوب والخطايا ويرفع منزلته في الجنة، أو يخفف عنه الحساب.
ولقد جاء في القرآن الكريم هذا المعنى في قوله تعالى” وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ” والآية صريحة وواضحة في ضرورة الدعاء لأمواتنا الذين سبقونا في التوحيد والإيمان بالله.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً ما كان يستغفر للأموات في صلاة الجنازة فقد روي عن الصحابي عوف بن مالك أنه قال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ قَال حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتَ”
وهذا يدل بلا شك على اهمية الدعاء لأموات المسلمين لأنه مغفرة لذنوبهم ورفع لمكانتهم في الآخرة.
على أية حال؛ فإن الاستغفار له أهمية ومكانة كبرى لدى المسلمين وذلك لنه واجب على كل مسلم مؤمن أن يستغفر الله تعالى حتى يغفر له ذنوبه وهذه من النعم والعطايّا الربّانية أن كتب الرحمة على نفسه ووزعها على عباده المستغفرين، فاحرص أخي المسلم على الاستغفار الدائم لما له من أهمية في الدنيا قبل الآخرة.
بواسطة: Yassmin Yassin
اضف تعليق